آسية امرأة فرعون.. هاجر أم إسماعيل عليه السلام.. خديجة بنت خويلد.. سمية بنت خياط.. الحاجة زينب الغزالي..
ثمن غال جداً ذلك الذي دفعنه أولئك السيدات الطاهرات وغيرهن الكثيرات في سبيل الحفاظ على دين الله حاكماً ومهيمناً على الدين كله... دفعن ثمناً من راحتهن ودمائهن فوَفَّينْ الدفع، ووَفَّينْ الثمن. والله عز وجل في غنى عما دفعن، لكن البشرية ذاتها هي المحتاجة لذلك الثمن حتى تتطهر من أرجاسها..
ملكة تعيش عمرها في قصر فرعون، الشعب لا يقوم على خدمتها، وإنما يقوم على عبادتها! ثم هي تختار طريق الإيمان، فتُجرَّد من كل ما تتمناه امرأة في الدنيا، فتتركه مختارة لله... ثم تُعَذّب حتى الموت!
امرأة ذات حسب ونسب ومال في مجتمعها، تختار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتختار أن تجوع في شِعب المسلمين، شِعب أبي طالب، وتكد مثلهم طواعية حباً في الله ورسوله صلى الله عليه وسلم...
امرأة من المسلمين، تقف في وجه طاغية ظالم، تقول كلمة الحق، فتُحبس وتتعرّض لأقسى درجات التعذيب، ثم هي تثبت لنهاية المطاف..
• مَنْ هؤلاء النساء؟ ألَسْنَ على الحق؟
أليس من الرحمة أن تكون الواحدة منهن في نعيم ورخاء وعافية من كل بلاء وهي مَن هي إيمانياً وخلقياً؟
[] لماذا الإبتــــلاء؟
هو سنّة كونية، من طبيعة العيش على الأرض، يقول سبحانه في سورة العنكبوت {الم*أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ*وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت:1-3].
فالإبتلاء هو الإختبار والإمتحان، يبتلينا الله عز وجل لحِكَم يعلمها سبحانه، ومنها:
•= التمحيص: {حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران:173]، فكثير من الناس يدّعي الصبر والرضا والبطولة والثبات حتى يأتي الإبتلاء، فتتمايز الصفوف وتتطهر ويخرج منها الخبيث ومن في قلبه مرض.. ليحملَ الأمانةَ مَنْ تمكّن الإيمان ُمن قلبه ويفوزَ بالجنة من يستحقها..
•= رفع الدرجات: روى البخاري في صحيحه أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيراً يُصِبْ منه»، أي: يبتليه بالمصائب والمحن ليرفع درجاته ويزيد في حسناته على ما يكون من صبره وإحتسابه.
•= تكفير الذنوب: ففي الصحيحين أن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكة يُشاكها».
وجعل الله عز وجل الإبتلاء لجميع الخلق، كلٌّ على قدر دينه، فأكثر الناس بلاءً الأنبياء ثم الذين يلونهم إيماناً ودوراً في حمل رسالة الله إلى الناس... كما تتنوع الإبتلاءات بتنوع الدور الذي يقوم به الإنسان، فمن الناس من تكون مصيبته في بدنه، ومنهم من يبتلى في شريك حياته، ومنهم من يبتلى في ولده، ومنهم من يبتلى في حريته.
وقد يُبتلى المجتمع كله بالحاكم الظالم، فيصطفي الله عز وجل من الخلق من يقول كلمة حق عند ذلك السلطان الجائر فيكون مقابلها دمه، وهو أعلى درجات الشهادة وأعلى درجات الإبتلاء، لأنه يحتاج لزاد إيمانيٍ عالٍ حتى يواجه، ويقول كلمته، ويثبت حتى الموت...
ولا فرق في الابتلاء بين رجل وامرأة، فالأجر عند الله لهما سواء.
[] والغايـــــة:
= إنّه الله سبحانه وتعالى وطلب قُربه ومعيته ورؤيته في جنة الخلد..
= إنها الجنة.. من أجلها نحتمل العذاب البدني... من أجلها نحتمل فراق الأحبة... من أجلها نترك رغد العيش... من أجلها تُهدَر دماؤنا في سبيل الله...
وكل مصيبة بعد فَقْد رسول الله صلى الله عليه وسلم هينة، وكل ألم بعد أول غمسة في الجنة يُنسَى...
وحتى ننجح في الإبتلاء، علينا أولاً أن نعرف الله عز وجل في الرخاء حتى يعرفنا في الشدة...
أن نحتسب الأجر عنده تعالى ولا نرتجيه في غيره... أن نوقن أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا وما أخطأنا لم يكن ليصيبنا... وأن نعلم أخيراً: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10] وكفى بها نعمة.
أختي: يا من ابتُليتِ في ولدك وتحسبينه غضباً من الله، لستِ أعزّ على الله من نوح عليه السلام وقد ابتُلي في ولده بالكفر..
يا من ابتُليت في زوجك، لست أعزّ من زوجة فرعون التي آثرت جوار الله في الجنة على عرش مصر وملكها.
يا من ابتُليت بأحاديث الناس، لست أعز من مريم الطاهرة التي إتهموها، وحتى اليوم لم يبرئوها، وقد برأها الله عز وجل في كتابه.
يا من ابتُليت بالحاكم الظالم والإحتلال وإغتصاب الأرض والحرمات والأعراض، إنظري حولك لتجدي أروع الأمثلة في الثبات والصبر والتصميم على المواصلة حتى نهاية الطريق، {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر:10].
غداً والناسُ وقوفٌ تحت وهج شمسٍ فوق الرؤوس، يُنادَى عليكِ: أين الصابرون؟ اليوم يدخلون الجنة بغير حساب... بغير حساب.
الكاتب: عزة مختار.
المصدر: موقع منبر الداعيات.